السبت، 26 يونيو 2010
الخميس، 24 يونيو 2010
السبت، 19 يونيو 2010
الجمعة، 18 يونيو 2010
روعة فيلم ( لا وطن للعجائز ) فى نجاح صناعه فى تقديم فيلم تشويقى لا تستطيع أبدا أن تترك مقعدك أثناء مشاهدته ، ولا تستطيع أبدا أن تتوقف - فى نفس الوقت - عن التفكير لقراءة مغزى صوره ورسومه ، وروعة الفيلم أيضا أن شخصياته أمريكية بامتياز تجسد قسوة بيئة وشخوص الغرب الأمريكى ، وهناك إشارات واضحة عن هذه البلد الصعبة على ناسها ، كما أن هناك حديثا عن فيتنام التى حارب فيهلضوءا (موس ) والقاتل المحترف ( كارسون ويلز ) ، ولكن الفيلم يتجاوز ذلك الى أبعاد إنسانية عامة بحواره البديع الذكى والساخر الذى يذكرك : على نحو ما بمسرحيات كتاب العبث الكبار مثل (بيكيت ) حيث يتم التلاعب بالألفاظ والكلمات لإثبات فشلها فى تحقيق التواصل الإنسانى ، وتمتزج الرؤية البصرية للمخرجين ( إيثان وجويل كوين ) لترجمة كل هذه المعانى العميقة ، ولإعطاء صورة مؤلمة عن الشر ومصير الإنسان البائس الذي يرجح أن يكون مصير العجائز الضعفاء بمثابة اسقاط واضح واستعارة معبرة عنه ، ومن أبرز إبداعات هذا الثنائى إضفاء الوحشة بطريقتين مختلفتين على مشاهد الفيلم : فى المشاهد النهارية ذات الأماكن المفتوحة حيث الشمس ساطعة يتم استخدام اللقطات البعيدة لإبراز ضآلة الإنسان وسط النباتات الشوكية والصحراء الواسعة ، وفى المشاهد الليلية سواء فى الأماكن المفتوحة أو المغلقة كالحجرات مثلا يتم التلاعب بالضوء واستخدام اللون الأزرق الذى ينقل إلينا الإحساس بالبرودة والموت ، وهناك تتابعات بأكملها يجب تدريسها تؤكد استيعاب المخرجين لتراث سينما التشويق مثل تتابعات هروب ( موس ) فى الماء أو مشهد انتظاره لغريمه " شوجر" ( لاحظ الدلالة الساخرة للإسم )، وهناك دقة واضحة فى استخدام المونتاج لتحقيق لحظات تحبس الأنفاس مع النجاح أيضا فى منع استغراق المشاهد فى الأحداث بشكل كامل حتى يجد وقتا للتفكير والتأمل ، روبما بسبب ذلك لم نشاهد بعض الجرائم التى ارتكبها (شوجر ) اكتفاء بوصول المعنى ، ولا ننسى الإدارة العبقرية لكل ممثلى الفيلم الذين يمتلكون حضورا وفهما لأدوارهم الصعبة ذات الدلالات .
الخميس، 17 يونيو 2010
السبت، 12 يونيو 2010
أفلام سينمائية فى الحرم الجامعى ...!
فى كتابه الممتع ( حياة فى السينما ) يشير الناقد ( أمير العمرى ) الى أنه نجح فى بداية السبعينات فى تأسيس ناد للسينما فى كلية الطب - جامعة عين شمس افتتح عروضه برائعة ( فيسكونتى ) الشهيرة ( الموت فى فينسيا ) । أدهشتنى جدا هذه المعلومة ، وعلقت عليها أنك لو عرضت هذا الفيلم الآن فى قلب الأوبرا لما مر الموضوع بسلام ، وطبعا أترك لخيالك العنان لوضع سيناريو لردود الأفعال إذا كان العرض فى مدرجات جامعة القاهرة أو عين شمس । جئت الى الجامعة قادما من الصعيد فى نهاية العام 1982، ولم تكن صورة التزمت قوية رغم وجود تيارات دينية فى الكليات وفى المدينة الجامعية ، ولكن كان هناك هامش لممارسة النشاط الفنى ، وأذكر أنه فى الساعة الخامسة يوميا كانت كل أجهزة الراديو تُفتح على محطة أم كلثوم لنستمتع ونسمع أغنيات الزمن الجميل । أذكر أيضا أننا كنا نتردد على مسرح كلية التجارة العامر لمشاهدة مسرحيات مليئة بالموهوبين ، ولا أنسى أننى شاهدت مثلا بروفة جنرال لمسرحية محمد صبحى ولينين الرملى ( إنت حر ) ، وقد أخرجها للمسرح الجامعى ( صلاح عبد الله ) الذى كان يعمل وقتها ممثلا محترفا فى فرقة ( صبحى ).
وفى مناسبة أخرى شاهدت مسرحية بعنوان( المجانين )، وفيها رأيت لأول مرة ثلاثة من الموهوبين الذين أصبحوا نجوما فيما بعد وهم : عمرو عبد الجليل بطل العرض ، ومحمد هنيدى ، ومحمد سعد ، وأشهد أن هنيدى وسعد أشعلوا الصالة من الضحك بصرف النظر ععما فعلوه فى السينما بعد ذلك ، (هنيدى) بالتحديد كان يلعب دور مجنون بالكرة يرتدى شورتا وفانلة ، وكان العرض بأكمله مجموعة اسكتشات لا يربط بينها إلا رجل يقول إنه طبيب يلعب دوره( عمرو عبد الجليل )، ويستمع من كل مجنون الى حكايته ، وأتذكر أيضا أننى شاهدت فى هذه الليلة المخرج( يوسف شاهين )لأول مرة ، فقد حضر للمشاهدة بعد نجاح العرض ، ومن خلاله اختار عمرو عبد الجليل لبطولة فيلم ( اسكندرية كمان وكمان ) ، كما اختار ( محمد هنيدى ) فى أحد أدوار الفيلم الصغيرة ، وعلى مسرح كلية التجارة بجامعة القاهرة شاهدت أيضا ( خالد صالح ) فى أدوار متعددة ورائعة ، وكان ايضا كومديانا خطيرا ، ولا أعرف لماذا لم يكتشف المخرجون إمكانياته الكوميدية بشكل أقوى بكثير مما فعلوه حتى الآن ।
أما فيما يتعلق بالسينما فبالطبع لايمكن أن نتحدث عن ناد للسينما تعرض من خلاله أفلام فيللينى وبازولينى وأنطونيونى وبرجمان وكيروساوا ، ولكنى أتذكر مناسبتين شاهدت فيهما أفلاما سينمائية داخل الحرم الجامعى ، لا أعرف كواليس الحصول على الموافقات ، وربما احتاج الأمر الى مجهود شاق ، ولكن فى النهاية حدث العرضان ، وبحضور آلاف الطلاب والطالبات ، ولفيلمين من أهم وأفضل ما قدمت السينما المصرية عبر تاريخها الطويل ।
ربما كنا وقتها فى العام 1986.كانت كلية الإعلام - حيث أدرس- تحتل الطابق الرابع من مبنى كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، قبل بناء مقر مستقل ضخم لكلية الإعلام । ولحسن الحظ ، استفدنا سينمائيا من هذه الضيافة حيث تكونت أسرة فى كلية الإقتصاد كان رائدها الدكتور جودة عبد الخالق - أحد أعضاء حزب التجمع وأستاذ الإقتصاد المرموق ، وكان أحد أنشطة الأسرة تنتظيم عروض سينمائية لأفلام مختارة ، وإقامة ندوات مع نجوم وأبطال هذه الأعمال ، وهكذا أتيح لنا - نحن مجانين السينما فى كلية الإعلام - أن نحتل الصفوف الأولى فى المدرج الكبير فى الدور الأرضى بكلية الإقتصاد لمشاهدة فيلمى ( المومياء ) و( عودة الإبن الضال ) فى نسخ سينمائية (35مللى) ، ثم المشاركة فى ندوتين مع صناع العملين أو بعضا من ممثليهم فى حوار شديد الثراء والإمتاع ।
فى عرض فيلم المومياء ، كان هناك خبران أحدهما سئ والثانى جيد ، الخبر السئ هو النسخة الرديئة التى تم عرضها للفيلم حيث تحولت الألوان الى ما يشبه الصورة( الفلو) التى لا تستطيع أن تتبين معالمها ، كانت النسخة التى تم الحصول عليها من هيئة قصور الثقافة أسوأ دعاية للفيلم العظيم ، وكان ما يؤلمنا أكثر أننا كنا قد شاهدنا توا النسخة الأصلية الرائعة فى برنامج (أوسكار ) على إثر وفاة مبدع الفيلم ( شادى عبد السلام ) ، وكانت هذه النسخة (فرجة ) ممتزجة بانبهار لم يفارقنى حتى اليوم كلما شاهدت الفيلم । ولكن الأمر لم يخل من خبر سار وهو حضور نجمة الفيلم الرائعة ( نادية لطفى ) ومصمم الديكور الكبير ( صلاح مرعى ) ، وقد خرجت من الندوة باستفادة عميقة خاصة عندما تحدث صلاح مرعى شارحا أسباب استخدام الفصحى المبسطة فى الحوار ، كما تحدث عن حركة الممثلين والتعبير بالإيماءات والأعين ، وقال الكثير عن مشاكل الفيلم وأبعاده السياسية ، ودفاعه عن الهوية المصرية فى زمن كانت مازال فيه الحديث عما يسمى الجمهورية العربية المتحدة حتى بعد الإنفصال । جعلنى حديث( صلاح مرعى) أكتشف الكثير فى الفيلم الكبير ، وبينما كان القسم الأكبر من الطلاب يحيطون بالرائعة (نادية لطفى )، كنت مع مجموعة أقل نحيط بتلميذ شادى النجيب ، بل إننى شددت على يده بحرارة وعرفان ، وما زلت أتذكر التواضع والحب الذى أحاطنا به صلاح مرعى بعد الندوة ، والطريف أن أحد أصدقائى الأعزاء أحضر لى صورة من تلك الصور التى كانت توزعها نادية لطفى ، وعليها توقيعها بخط يدها ، ومازلت أحتفظ بالصورة حتى اليوم ، وما زلت أقدر نادية لطفى ووفاءها لشادى عبد السلام وحرصها على حضور هذه الندوة الطلابية فى قلب الحرم الجامعى ।
أما عرض فيلم ( عودة الإبن الضال ) فكان أفضل كثيرا رغم أنه لم يخل من المنغصات ، كان المدرج الكبير مكتظا بالطلاب من كل الكليات تقريبا ، وفى الموعد الحدد كان يوسف شاهين مع الدكتور جودة عبد الخالق يجهزان للعرض ، ولن أنسى أبدا أن شاهين كان يشرف على تركيب البوبينات بنفسه ، وأظن أيضا أنه أحضر معه آلة العرض الخاصة به । كان مشهدا رائعا لعاشق حقيقى يقدم لنا أحد أعماله التى يحبها । وكانت المشكلة أن العرض لم يكن متصلا وإنما" بوبينة ""بوبينة "، وفى كل مرة يقف شاهين بكل بساطة للإشراف على التركيب وإدارة الماكينة التى كانت تصدر صوتا مسموعا ، لاشك أننا انبهرنا بكل شئ : بالفيلم الذى لم أكن شاهدته من قبل حيث عرضه التلفزيون سرا ربما لمرة واحدة ، وكنا مبهورين أيضا من بساطة شاهين وحبه للسينما وللجمهور ، وزاد الإنبهار عندما انتهى العرض ، ووقف شاهين مع بطلة فيلمه ( سهير المرشدى ) التى حضرت متأخرة ، وهما يردان على تصفيقنا الملتهب ।
كان( شاهين )فى حالة نشوة كاملة ، ينحنى فى سعادة فيزيد التصفيق ، ينظر الى بطلته ويقبل يدها امتنانا وعرفانا ثم ينحنى من جديد وكأنه أمام جمهور الكوميدى فرانسيز وليس أمام مجموعة من الطلاب بعضهم أقل من سن العشرين ، لم يرفض شاهين الإجابة عن أى سؤال ، وحتى عندما انتهى وقت الندوة ، تحلقنا حوله وانهالت عليه الأسئلة عن أغنية (الشارع لنا )، وعن قرص الشمس الأصفر الباهت الي يتجه اليه بطلا الفيلم اليافعان بعد المذبحة المروعة ، وعن الفتاة التى لعبتها (سهير المرشدى) وصورتها الجميلة وكأنها رمز للوطن المغتصب । كان شاهين سعيدا بجمهوره الصغير لدرجة أنه طلب أن يذهب اليه فى مكتبه (35شارع شامبليون) كل من لم يستطع أن يسأل ، أو من لم يستطع أن يقتنع بإجابات المخرج الكبير ।
قال لى صديق بعد مشاهدة عودة الإبن الضال فى ذهول :" إيه اللى شفناه ده ياجدع " । بد الأمر كما لو أننا لم نشاهد سينما من قبل ، ومازال الفيلم فى نظرى من أهم وأفضل ماأخرج يوسف شاهين ، ولن أنسى أبدا أننى شاهدت هذه التحفة لأول مرة فى الحرم الجامعى ، وأننى استمتعت بالحوار مع مبدعه عاشق السينما والناس بعد العرض .
الجمعة، 11 يونيو 2010
لجأ إريك روث الى حيلة السرد من خلال عيون الشاهد الذى عاش ورأى بما يؤدى الى تكثيف الزمن واختزاله كما فعل فى فيلمه الشهير ( فورست جامب ) ، ولكن الحكاية فى ( حياة رائعة ) تروى من وجهتى نظر " ديزى " حبيبة " بنيامين " التى تنتظر الموت فى إحدى مستشفيات " نيو أورليانز " بولاية " لويزيانا عام 2005،ووجهة نظر "بنيامين " نفسه الذى ترك تفصيلات مذكراته لتقرأها ابنته وابنتها كارولين التى ترعى أمها فى المستشفى । لايظل السرد فى الزمن الحاضر ساكنا ، ولكنه مثل الزمن المتدفق - يتحرك طوال الوقت مع اقتراب إعصار ( كاترينا ) المدمر من المستشفى ، وضرورة إخلاء المرضى ، ومنهم ديزى التى لعبتها فى مرحلتى الشيخوخة والشباب القديرة ( كيت بلا نشيت ) ، ولكن ديزى لن تحكى لابنتها مباشرة حكاية والدها وحالته الغريبة ، ولكنه ستحكى قصة رمزية عاصرتها هى مفتاح الفيلم كله ، لقد عرفت صانع ساعات أعمى اسمه (جاتو ) أخذوا ابنه وأرسلوه للحرب العالمية الأولى فمات ، ولذلك صمم على أن يصنع ساعة عملاقة توضع فى محطة القطار ، ولكنه جعل عقارب الساعة تدور للخلف تعبيرا عن حلمه بأن الحرب لم تقع ، وابنه لم يمت ، وعندما جاء الرئيس الأمريكى ( تيدى روزفلت ) لافتتاح المحطة ، أذهلته الساعة وكلمات الأب المكلوم ، فأحنى رأسه لأنه لم يجد تعليقا .
ولأن صناع الفيلم يعرفون أن فيلمهم يجسد حلم الإنسان بالسيطرة على الزمن فإنهم يحققون ذلك بصريا عندما نشاهد الشريط وقد عاد الى الخلف ، وعاد الإبن الى أسرته ، وهذه القصة الرمزية تجسد مضمون الفيلم بأكمله لأنها تقول إن الإنسان عاجز أمام الزمن وأمام القدر ، وكل ما يستطيعه هو أن يصنع ساعة تعمل بالعكس ، لأنه لا يستطيع أن يصنع زمنا يسير بالعكس ، ولكن خالق الزمن سيبعث معجزة أخرى تؤكد أنه وحده المسيطر على الزمن । سيخلق طفلا تسير حياته بالعكس حيث سيولد شيخا ثم سيصبح شابا ليموت طفلا رضيعا । بوتون مثل ميشيلينا وأصدقائه من أهل الكهف سيتلاعب به الزمن ।مشكلة أهل الكهف أنهم ناموا أكثر من 300عام ثم استيقظوا ليجدوا أنفسهم فى المستقبل ، ومشكلة بوتون أنه سيفقد ماضيه بأكمله عندما يعود الى طفولته فى أيامه الأخيرة । الإثنان ميشلينا وبوتون لن يعيشا إلا بالحب لأنه الشئ الوحيد الذى لا يغيره ولا يقهره الزمن .
العقل والقلب
بمنطق العقل كان يجب ألا يعيش هذا المسخ المشوه الذى ولد لأب شديد الثراء هو توماس بوتون الذي سنعرف فيما بعد أنه صاحب أكبر مصنع للأزرار فى أمريكا । لقد اعتقد عندما شاهد طفله الوليد بملامح شيخ عجوز أنه أنجب مسخا لا يحتمل ، ولذلك بعد وفاة الأم الى مدخل دار نولون للمسنين ، ولكن بمنطق القلب سيعيش بنيامين عندما تجده خادمة السوداء مس كوينى । ستعطف عليه وتكرس نفسها لرعايته كابن لم تنجبه يضاف الى آخرين ترعاهم فى سن الشيخوخة ।القلب وحده سيستوعب هذه اللعبة الزمنية العجيبة تماما كما حدث مع ميشلينا الذى دخل الكهف وهو يحب فتاة اسمها بريسكا هى ابنة الحاكم الرومانى دقلديانوس مضطهد المسحيين ،وعاد اليه ومعه فتاة أخرى على اسم حبيبيته القديمة (هى فى الواقع حفيدتها ) فضلت أن تدفن معه حتى النهاية .
حب المربية السوداء ، وصديقها مستر ويزرز ، وحب عجائز الدار الذين لا يطلبون الكثير ، كل ذلك سيجعل الطفل العجوز يسير على قدمين بمساعدة عكاز ، وسيشارك قس المدينة فى المعجزة رغم أنه لم يعرف أبدا أن هذا العجوز ، ليس إلا طفل صغير ।سيتعلم بنيامين الذى لعبه فى معظم أطوار حياته شيخا وشابا (براد بيت ) - القراءة والكتابة ، وستتغير حياته بظهور ديزى الطفلة التى تزور جدتها فى دار المسنين ، إنها تصغره بست سنوات ، ولكنه يعيش معها حياته كطففل ।يستمع معها للحكايات ، ويأخذها الى الصندل الضخم الذى عمل فيه ليطوف العالم ، ويكتب لها من كل مكان يذهب إليه .
الحب أيضا هو الذى سيساند بنيامين عندما يصادق قائد الصندل السكير (مايك كلارك ) । سيعرف معه النساء للمرة الأولى ، وسيسمع معه حكايات عن حلمه الدائم بأن يكون فنانا ، ولذلك حول جسده الى لوحات بالوشم ، وسيحكى مايك للبحارة قصة أخرى رمزية عن طائر الطنان الذى لا تتوقف أجنحته عن الحركة حتى يموت ।انها حركة تشبه علامة اللانهاية فى الرياضيات ، وكأن الطائر يعبر عن الإنسان الذى لا يهدأ حتى يتوقف الزمن بالنسبة له بالموت ، وعندما يموت مايك بالفعل لمشاركة الصندل فى الحرب العالمية الثانية بعد تدمير الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربور ، يكون هذا البحار السكير قد ترك ل بنيامين أحد مفاتيح التعامل مع الحياة عندما يعرف أنه يستطيع ان يقول أى شئ عن القدر وعن مسار الظروف والأحداث ، ولكن عندما يأتى الموت عليه أن يستسلم على الفور دون أى اعتراض .
سيعرف بنييامين - وهو يتخلص تدريجيا من مظاهر الشيخوخة - حب امرأة بريطانية هى مسز إليزابيث زوجة رئيس البعثة التجارية فى مورمانسك فى روسيا ، السيدة أيضا تجاوزت سن الشباب ولكنها تعيش بالحب مشاعر لم تعرفها مع زوجها ، وسيبدو كذلك أنها فى معركة خاصة مع عمرها لأنها فشلت فى عبور المانش وهى شابة ، وسيظل هذا الحلم معها حتى نعرف قرب نهاية الفيلم أنها حققته فى سن الشيخوخة .
لكن الحب الأكبر الذى سيغير حياة بنيامين هو علاقته مع ديزى التى أصبحت الآن أشهر راقصة باليه فى نيويورك ، وكانت أبضا الأمريكية الوحيدة التى رقصت مع البولشوى ، ديزى لديها كذلك مشكلة مع الزمن : مهنتها عمرها قصير وهى لا تجد نفسه إلا فى هذه الحركات الرشيقة التى تبدو بالإضاءة والخلفيات الملونة كما لو كانت سباحة فى الزمن ، ولكنه ستتعرض فى باريس لحادث سيارة قدرى يكسر ساقها ويجبرها على اعتزال الرقص ، ولأن بنيامين يحبها سيقف معها حتى النهاية ، بل إنه سيحلم - وسنرى حلمه بالصورة - أن هذا الحادث لم يقع أبدا ، لن تتقبل هى مأساتها رغم أنها كانت تحدثه عن القسمة والنصيب ، ولكنها ستعوض حلمها بافتتاح مدرسة لتعليم الباليه ، وستعوضه أيضا بالعثور على الحب ، والزواج من بنيامين الذى عرفته شيخا فى طفولته ، ثم تزوجته شابا !
الخميس، 10 يونيو 2010
من الراديو الى السينما .. ومن السينما الى الراديو ..!
لو كان عندى بقية من القدرة على الخيال فأنا مدين بها للسينما ، وقبل ذلك بكثير أنا مدين بها للإذاعة المصرية . والذين عاشوا طفولتهم فى السبعينات يعرفون تماما فضل الراديو ، ويعرفون أن العلاقة كانت وثيقة جدا بينه ويبن السينما على عكس ما يعتقد البعض !
كان الراديو حاضراً بقوة فى تلك الأيام حتى بعد منافسة التليفزيون . ربما ساعد على هذا الحضور أن البث التليفزيونى لم يكن قد (توحش ) بعد ، وإنما كان يتم من خلال قناتين فقط هما الأولى والثانية ولساعات محدودة يعزف بعدها السلام الجمهورى وبدأ (الوش) بظهور هذه الخطوط المتحركة ، بل أتذكر أنه فى أحد الرمضانات صدر قرار بكثيرةأن يتوقف البث التليفزيونى لمدة ساعتين بعد أذان المغرب لإتاحة الفرصة لجمهور الراديو لمتابعة برامجه ومسلسلاته .
ورغم روعة اشياء كثيرة قدمها الراديو وأستطيع الحديث عنها من أبلة فضيلة العظيمة الى الغلط فين برنامج المسابقات الأشهر الذى كانت جائزة الإجابة عن أى سؤال فيه لا تزيد عن خمسة وسبعين قرشا فقط لاغير ، ومن همسة عتاب الى البرنامج الأسطورى (على الناصية ) للكبيرة آمال فهمى । رغم كل هذه العلامات ، إلا أن الأثر الأكبر للإذاعة علينا كان من خلال الأعمال الدرامية التى أفرزت مجموعة من أبرز كتاب السينما ربما كان أشهرهم :(وحيد حامد ) و( سمير عبد العظيم ) । وأصبح من المألوف من وقت بعيد أن ينجح المسلسل الإذاعى فيتحول الى فيلم ناجح . فيلم ( سمارة ) مثلا كان مسلسلا تخلو الشوارع عند إذاعته ، وكانت بطلته (سميحة أيوب ) ، واسندت بطولة الفيلم الى تحية كاريوكا ، وفيلم هذا هو الحب الذى قام ببطولته يحى شاهين ولبنى عبد العزيزوأخرجه (صلاح أبو سيف ) كان فى الأصل مسلسلا ناجحا فى الإذاعة فى الخمسينات . وفيلم ( شئ من العذاب ) الذى أخرجه أيضا صلاح أبوسيف وقام ببطولته يحى شاهين وسعاد حسنى وحسن يوسف ، فى الأصل مسلسل كتبه ( أحمد رجب ) فى الستينات ، وقام ببطولته (محمد عبد الوهاب ) شخصيا ، والممثلة الناشئة وقتها (نيللى ).
طبعا لم استمع الى هذه المسلسلات الأقدم وقت إذاعتها ، ولكنى استمعت اليها بعد إعادتها فى راديو السبعينات العظيم . ولكن أقدم ما فى ذاكرتى عن علاقتى بالدراما الإذاعية يرتبط بمسلسل الخامسة والربع فى البرنامج العام الذى كان يوقف الحياة تقريبا فى مدينتى الصعيدية الصغيرة . لم أكن أعرف شيئا عن هذا المسلسل لأننى كنت مشغولا باكتشاف هذا الصندوق السحرى الذى أحضره أبى لنشاهد مباريات الكرة بعد انبهارى بهذه اللعبة إثر مشاهدتى -عند الجيران - مباراة الأهلى وسانتوس البرازيلى الشهيرة . ولكن حدثا رائعا غير الأمور على نحو غير متوقع . كنت -ربما - فى الصف الثالث الإبتدائى عندما دخل الأستاذ (عدلى ) الفصل ، وأخذ يتبادل معنا حديثا وديا قاده أن يتساءل عن (قفلة ) الأمس من مسلسل الخامسة والربع . أدهشنى أن كل الفصل تقريبا يتابع المسلسل ، وهكذا دفعنى الفضول الى اكتشاف الدراما الإذاعية . كان المسلسل المذاع وقتها بعنوان (الفتى الذى عاد ) للمؤلف الشاب (وحيد حامد ) . وكانت تلك المرة الأولى التى أسمع فيها اسمه الموسيقى الجميل لا تتخيلوا مدى تعلق الناس بهذا العمل الذى عرفت فيما بعد طبعا أنه مأخوذ عن مسرحية ( مهاجر برسبان ) التى كتبها ( جورج شحادة ) ، وقد حول ( وحيد حامد ) المسلسل فيما بعد الى فيلم سينمائى أقل شهرة هو ( بنات إبليس ) مثلما فعل مع مسلسلاته المدهشة التى تحولت الى أفلام أو مسلسلات تلفزيونية . الدنيا على جناح يمامة كان مسلسلا ناجحا فى الشرق الأوسط من بطولة محمود عبد العزيز نجلاء فتحى كنا لا نستطيع أن نفوت منه حلقة ، ثم تحول الى فيلم بطولة محمود عبد العزيز وميرفت أمين ، وفيلم كل هذا الحب كان أيضا مسلسلا إذاعيا لوحيد حامد أخرجه الراحل حسين كمال ، ثم أخرجه من جديد للسينما فى فيلم بطولة نور الشريف و ليلى علوى ، وأتذكر أن فيلم الغول الشهير كان أصلا مسلسلا ناجحا لوحيد حامد بعنوان ( قانون ساكسونيا ) من بطولة نور الشريف ونيللى ، وعندما تحول الى فيلم أسندت بطولته الى عادل امام ونيللى ،بل اننى استمعت فى سنوات الطفولة الى مسلسل لوحيد حامد أيضا بعنوان بلد المحبوب هو أصل الحلقات التليفزيونية الشهيرة (أحلام الفتى الطائر ) ، وكان أبى مندهشا وأنا أقول له إن دور ( ابراهيم الطاير ) لوفيعبه ( توفيق الدقن ) . كانت تجارب عجيبة لطفل صغير ينطلق خياله أثناء الإستماع الى العمل فى الراديو ثم يقيد من جديد عندما يراه على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة . أظن أيضا أن ولعى الشديد بالمقارنات بين الأعمال الدرامية أو ألأدبية وضعت بذورها خلال تلك السنوات المبكرة .
أصبحت مجنونا بالدراما الإذاعية خاصة فى شهر رمضان فى محطة الشرق الأوسط . كان مسلسلها عادة من تأليف الراحل سمير عبد العظيم ومن أخراجه أيضا . كان موهوبا وحساسا لحياةوتغيرات الطبقة الفقيرة والمتوسطة ، وأظن أنه كان يستطيع أن يقدم أعمالا أقوى ألف مرة مما قدمه بالفعل لولا أنه دخل فى عجلة السينما التجارية والمسرح الصيفى السياحى . كانت مسلسلات سمير عبد العظيم بدون فواصل موسيقية مثل مسلسلات الرائد الراحل محمد علون ، وكنت أراها كفيلم مسموع من براعة أداء ممثليها وقدرتهم على التعبير وخلق الجومدعومين بمؤثرات صوتية مدهشة . ومن هذه المسلسلات التى كانت توقف البلد حلقات أفواه وأرانب التى تحولت الى فيلم شهير قامت بطولته فى المرتين فاتن حمامة ، وأتبعته بحلقات لم تتحول الى السينما هى الجزء التانى من أفواه وأرانب بعنوان كفر نعمت ، وكانت بالطبع أقل نجاحا . وتحولت الكثير من مسلسلات سمير عبد العظيم الى أفلام مثل على باب الوزير ، عمل هام يرصد التحولات التى أصابت المجتمع وشبابه فى زمن الإنفتاح ،و فيلم لست شيطانا ولاملاكا المأخوذ عن حلقات رمضانية بنفس الإسم ،وأظن أنه المسلسل الذى غنت الرائعة ليلى مراد مقدمته ونهايته من تلحين بليغ حمدى ، وكانت الأغنية التى مازلت أذكرها بعنوان ( ويا عينى ع الدنيا ) ، وهناك أيضا فيلم (الشك ياحبيى ) عن حلقات بنفس الإسم قامت ببطولتها شادية فى الإذاعة ثم فى السينما ، ولعل فيلم الصبر فى الملاحات من الأعمال الأخيرة التى نقلها سمير عبد العظيم الى السينما بعد نجاحها فى الإذاعة .
لا استطيع ايضا أن أنسى مسلسلات الثنائى الشهير (فؤاد المهندس ) وشويكار . بعضها استمعت اليها فى وقت إذاعتهامثل مسلسل رمضانى أذيعت منه عدة حلقات بعنوان ( سها هانم رقصت على السلالم ) ، ثم أصدر وزير الإعلام وقتها ( عبد المنعم الصاوى ) قرارا بوقف الإذاعة لأن المسلسل اتهم بالإسفاف ، وكانت تلك المرة الأولى التى أسمع فيها هذه الكلمة ! وأعتقد أن شويكار والمهندس لم يقدما بعد هذا المنع أى مسلسل إذاعى مشترك . ولكن مسلسلاتهما الأشهر والأقدم ، والتى تحولت الى أفلام استمعت إليها بعد أعادة إذاعة بعض حلقاتها فى مناسبات مختلفة . من هذه الأعمال مثلا إنت اللى قتلت بابايا, وشنبو فى المصيدة والعتبة جزاز ، ويبدو أن هذه المسلسلات كانت تستهدف الترفيه عن الشعب البائس بعد كارثة يونيو.
ولكن الراديو لم يقم فقط بتغذية الخيال عن طريق مسلسلاته الدرامية المدهشة ولكن أيضا من خلال نقل السينما الى الإذاعة . كان هناك برنامج إذاعى شهير اسمه ( من الشاشة الى الميكروفون ) تعده وتقدمه ثريا عبد المجيد يهتم بتقديم مسامع من الآفلام الجديدة خاصة الكوميدية . التجربة غريبة فعلا ولكنها مثيرة للخيال لأننى عن طريق هذا البرنامج استمعت الى أفلام شاهدتها فيما بعد كملة ، أى أننى رايتها بعين الخيال قبل أن أراها بالفعل .. ويالها من تجربة .. ويالها من أيام .
فى رأيي أن الأجيال الجديدة لا تنقصها الثقافة المرئية لأنهم ولدوا فى عصر الصورة ، ولكن ينقصهم الخيال وهو أمر لا يمكن أن تغذيه إلا بأن تغمض عينيك لتسمع وتتأمل .تحتاج تلك الأجيال أن تريح عيونها لتطلق خيالها . تحتاج أن تعى ما قاله جورج جرداق فى قصيدة هذه ليلتى :
فادن منى وخذ إليك حنانى
ثم أغمض عينيك حتى ترانى
وليس هناك وسيلة مثل الراديو تجعلك تغمض عينيك حتى ترى مثل الراديو ..وأيام الراديو !