الأحد، 16 مايو 2010

(يتضمن هذا المقال الذى نشر لى من قبل قى جريدة روز اليوسف فى 21/5/2008ملاحظات حول وسائل الدعاية للأفلام على الطريقة المصرية ، ومنذ النشر الأول لم يتغير الكثير مما جعل المقال صالحا للنشر هذه الأيام أيضا !)





عِن " الميكنج " و" التريلر " والأفيش السينمائى !





بقلم : محمود عبد الشكور





مع عودة الروح للإنتاج السينمائى ، ومع التزايد التدريجى فى عدد الأفلام ونوعياتها بعد فترة طويلة من سيادة أفلام المضحكين الجدد ، أصبح من الممكن أن نتكلم ايضا عن طفرة حقيقية وسائل الدعاية للأفلام خصوصا مع تعدد وسائل العرض بين محطات أرضية وأخرى فضائية . ولكن المؤسف أن فوضى الإنتاج وصلت أيضا الى فوضى وسائل الدعايةالتى يتعامل معها البعض كذلك بمنطق الفهلوة والفرقعة والقص واللزق ، والتى لا يعرف الكثيرون أنها فن مستقل عمل فيه مبدعون كبار، ويكفى أن نتوقف عند ثلاث وسائل تستخدم للدعاية للأفلام المصرية حتى نكتشف تفاصيل هذه الفوضى ، وحتى نكتشف كذلك أن العمل الدعائى الردئ أحيانا بدور الدعاية المضادة ،فيصرف المتفرج عن المشاهدة أو الذهاب الى صالات العرض .




أولى الوسائل التى شهدت طفرة هى المواد المصورة التى تسجل كواليس صناعة الفيلم السينمائى أو ما يطلق عليه تعبير " الميكنج". وقد اسثمرت شركات الإنتاج اللعبة فأصبحت تبيع تلك المواد للمحطات الفضائية التى تعرضها مواكبة لعرض الفيلم أو قبل عرضه بفترة قصيرة ، ولو شاهدت معظم ما يعرض من ميكنج لشاهدت عجبا . من حيث الشكل المسألة لاتحتاج فى رأى شركات الإنتاج إلا لكاميرا ومصور يتابع مواقع التصوير المختلفة ، ثم تسلم الما دة الى مونتير يقوم بقص ولزق ما تيسر فى حدود المدة الزمنية المطلوبة ، وقفل ياجدع واعرض على الفضائيات . ومن حيث مضمون المادة المصورة فأنت أحيانا أمام سيرك حقيقى وليس موقع تصوير ، فهذا ممثل يلعب حواجبه للكاميرا، وهذا آخر يقرص زميله أو مش عارف يعمل إيه مع زميلته ، وهذه لقطة لزوم الفرفشة للمخرج وربما المنتج وهما يرقصان مع الأبطال ، وخد كمان عندك حتة أكشن لسيارة تطير فى الهواء حتى تتحطم وتندلع فيها النيران ، ويقال - والله أعلم أن الممثلين والممثلات يتظاهرون أمام كاميرا الميكنج لإضفاء اجواء مرحة تأكيدا على أنهم سمن على عسل ، وبعد عرض الفيلم وفشل أوسقوط اسم ممثل من الأفيش تظهر الحقيقة حيث يتحول الهزار فى الكواليس الى تقطيع للهدوم على صفحات الجرائد كما حدث بعد عرض فيلم( لحظات أنوثة ) .والمشكلة أن صناع " الميكنج " - مع بعض الإستثناءات طبعا - لايحاولون فهم طبيعة الفيلم الذى يصورون كواليسه ، ولا يخطر فى اذهانهم صنع فيلم قصير مواز يحكى عن التجربة بكل جوانبها الفنية والإنسانية ، ولا يلفت نظرهم إلا أن ( رامز جلال ) بيفرقع بمب ، والحق صور يا جدع ، أو ان (تامر حسنى ) بيزق بطلات فيلمه فى حمام السباحة ، والإسراف فى هذه المقالب يعطى المشاهد انطباعا أن الفيلم نفسه ليس إلا نوعا من التهريج. فلماذا يكلف نفسه بالذهاب الى دار العرض إذا كان التهريج يصل اليه فى المنزل ؟!



هناك بالطبع بعض مواد " الميكنج " اللتى تستحق المشاهدة منها مثلا " ميكنج " فيلم ( هى فوضى )الذى جعل الأبطال يتحدثون عن أدوارهم ، والذى بدا كما لو كان فيلما تسجيليا قصيرا عن الفيلم نفسه ، وبالمناسبة فقد شاهدت فيلما تسجيلياطويلا عن " كواليس " تصوير فيلم ( الإمبراطور الأخير )لا يقل تشويقا عن الفيلم نفسه ، كما أن هناك برامج اكثر عمقا من ميكنج الأفلام تتضمن ما هو ابعد من " زغزغة "الأبطال لبعضهم ومنها برنامج جيد للغاية كان يقدم فى بداية ظهور هذه الموجة من إعداد الزميل الصحفى " حازم الحديدى "، وأسند ال " خالد أبو النجا "تقديم معظم حلقاته ، وبالطبع هناك برامج أمريكية شهيرة وناجحة مثل مثل برنامج " مواقع التصوير فى هوليوود "الذى يمزج بين المشاهد الحية أثناء التصوير ، وتعليقات أبطال الفيلم ومخرجه ومنتجه عن العمل ، بالإضافة الى لقطات من أحداث الفيلم بعد تصويره.



أما وسيلة الدعاية الثانية المعروفة فهى " التريلر "أو المقدمة الإعلانية التى تعرضها دور السينما والمحطات الفضائية متضمنة لقطات من الفيلم ، ويغلب على هذه المقدمات حشر أكبر عدد من الإفيهات أو المواقف الغريبة التى لايكون لها علاقة أصلا بموضوع الفيلم ، وهناك أفلام غير كوميدية يصر صانع " التريلر "على أن يختار منها بعض الإفيهات المتناثرة هنا وهناك لإيهام المتفرج وجر رجله لدخول الفيلم وبعد ذلك يبقى يحلها ألف حلاّل .


وقد وصلت الموضة فى بعض النماذج الى حد الإستظراف كما فى " تريلر " فيلم ( خالتى فرنسا ) الذى يبدأ بالتنويه بالتحفة الخالدة ( اللمبى )ثم يعلن عن العمل الجديد الذى سيهاجمه كل نقاد مصر ، أو " تريلر " فيلم (كتكوت )الذى يزعج المتفرج بصوت ( محمد سعد)وهو يزف الى المتفرج أن الفيلم سيعرض فى جميع " عشش" مصر !!
الحقيقة أن المقدمة الإعلانية للأفلام الجيدة لاتقل أهمية عن الفيلم نفسه ، وفى كتاب ( هاشم النحاس ) الشهير عن يميات فيلم ( القاهرة 30 )ستجد مساحة معتبرة للجدل الذى دار بين مخرج الفيلم ( صلاح أبو سيف )والمونتير ( أحمد متولى )الذى كلف بإعداد المقدمة الإعلانية ، وكان من رأى (متولى )أن يبدأ " التريلر"بمشهد لحلقة ذكر باعتبار أنها دلالة عن العالم الذى برع ( أبو سيف ) فى التعبير عنه ، فى حين كان المخرج الكبير يرى أن الفيلم لا يتحدث عن الحارة أو البيئة الشعبية ولكنه فيلم سياسى بامتياز . الى هذه الدرجة كانت هناك عناية بكل مفردات العمل بما فيها علاقة المادة الدعائية بمضمون الفيلم ؟ ولو أردت مثلا معاصرا لمقدمات اعلانية مبدعة تذكر معى " تريلر " فيلم (سهر الليالى ) المختلف الذى يواجه أبطاله الكاميرا ليتحدث كل زوجين عن مشاكلهما ، وعن الصراع الذى سيشاهده الجمهور عندما يدخل الفيلم ، وكذلك "تريلر " فيلم ( فى شقة مصر الجديدة )بصوت ( محمد خان )مخرج الفيلم وهو يتساءل عما يحدث فى تلك الشقة الفريدة ، وهل هو " حب أم عفاريت ؟" وحتى لا يتسلل الى المشاهد شعور خاطئ بانه سيشاهد فيلم رعب فإن الموسيقى المرحة يتم توظيفها بذكاء فى أجزاء محددة من المقدمة الإعلانية . ولو شاهدت معظم المقدمات الإعلانية للأفلام الأمريكية لوجدت فهما حقيقيا من صناعها لطبيعة نوع الفيلم الذى يعلنون عنه لدرجة أن نبرة صوت المعلق تختلف تماما من الفيلم الكوميدى الخفيف الى الفيلم التشويقى الى أفلام الرعب ، و"التريلر " بأكمله أشبه بالفيلم الصغير الذى يقدم عناوين دون تفصيلات ، وبالتالى يكون له بداية ووسط ونهاية ، روبما يكون له " سكريبت "مكتوب ، أما ما نشاهده من مقدمات بعض الأفلام المصرية فيبدو أنه يتم على ذوق المنتج أو الموزع أيهما أقوى !

وتبقى الوسيلة الدعائية الأكثر شهرة وهى الأفيشات او الملصقات التى تحمل صور نجوم الفيلم أو العاملين به ، وقد شهدت هذه الوسيلة - كما فى العالم كله - طفرة هائلة فى التصميم والتنفيذ مع استغلال امكانيات الكمبيوتر والتصوير المذهلة ، ولكن الفن ليس مجرد امكانيات وإنما يتركز أساسا فى الفنان المبدع لا المقلد ، وهناك ملاحظتان واضحتان على أفيشات هذه الأيام : الأولى هى أنها من النادر أن يكتب عليها اسماء أبطال الفيلم حتى لو كانوا وجوها جديدة لا يعرفهم أحد ، وهذا أمر عجيب وغريب لأن من أهداف الأفيش التعريف والإعلام ، وقل لى بالله عليك ما قيمة صورة ممثل شاب لايعرفه أحد إذا كان الجمهور لا يعرف اسمه أصلا ، وفى كثير من أفيشات الأفلام الأمريكية يكتبون اسم نجم النجوم تحت اسمه حتى لو كان الممثل أشهر من نار على علم مثل ( آل باتشينو ) فى حين يكتفى المنتجون عندنا بصور بعض النكرات على الأفيش . وألاحظ أيضا ان أفيش الفيلم الأمريكى يكتب عليه جملة أو أكثر تعبر عن مضمون الفيلم او موضوعه ، مثلا فيلم سوينى تود الذى يدور حول الإنتقام كتبت على الأفيش الخاص به هذه العبارة : " لاينسى ولا يغفر " فى مناقضة صريحة لعبارة (نيلسون مانديلا ) الشهيرة : " إننى قد أغفر ولكنى لا أستطيع أن أنسى " .أما فى الأفيشات المصرية فلا يوجد شئ له علاقة بالمضمون إلا صور الأبطال المرصوصة أحيانا بما يشبه جماجم الموتى كما فى الأفيش الردئ لفيلم ( يوم الكرامة )

أما الملاحظة الكارثية الثانية فهى سرقة بعض أفيشات الأفلام الأجنبية التى أصبحت متاحة اليوم على شبكة الإنترنيت ، وهو عمل يدل على انعدام الأمانة والإستسهال والفهلوة والإفلاس وعدم القدرة على الإبداع ، وربما يستكمل الأفيش المسروق الدائرة لأن الفيلم مسروق أيضا !ومع ذلك فإن تارخ الأفيشات المصرية يضم نماذج لا تنسى من الأعمال المبدعة والمميزة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عدة لوحات تشكيلية كأفيش فيلم ( المومياء ) الذى يجسد ( ونيس ) ضئيلا يجاس منكمشا اسفل تمثال عملاق ، وأفيش فيلم ( مراتى مدير عام ) المرسوم بخطوط كاريكاتورية مرحة أظن أنها من إبداع الكبير (حجازى )، وأفيش فيلم ( الكيت كات ) المدهش والملون بألوان الحلم بريشة الكبير ( إيهاب شاكر ). ولا ننسى أفيش فيلم ( اسكندرية كمان وكمان ) البديع بتوقيع الفنان ( صلاح عنانى ) .الحقيقةأن الذين يسرقون لا يعبرون فقط عن فقر الخيال ولكنهم يتناسون أمراآخرهو أن الحرامية عموما ح يروحوا النار !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق