الجمعة، 28 مايو 2010

نوستالجيا:





"بوند " فى الفضاء .. ولقطات ساخنة فى قلب الزلزال !





عندى اهتمام خاص بالطريقة التى تؤثر بها الأفلام على الجمهور ، ومن دفتر الذكريات عندى هناك واقعتان تتصلان مباشرة بهذا التأثير. فى الأولى نجح الفيلم الذى شاهدته فى الإبتعاد بى تماما من حالة انعدام الوزن التى رافقتنى عند الدخول ، وفى المرة الثانية فشل الفيلم فى إحداث أى تأثير رغم أنه كوميديا صارخة ، وسنحاول معا التأمل والتفسير .










بعد التخرج فى كلية الإعلام -قسم الصحافة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف ، قررت النزول الى بلاط صاحبة الجلالة حاملا المرتبة ولكن بدون أى كروت واسطة. بدون تفصيلات تعثرت التجارب كلها بطريقة عجيبة لدرجة أننى استيقظت ذات صباح فلم أجد فقط مكتب جريدة ( الأنباء ) الكويتية التى كنت أعمل بها بالقطعة ، ولكنى لم أجد الكويت نفسها التى يتبعها المكتب بعد أن قام "صدام حسين " بغزوها فى أغسطس 1990 . المهم أن "الكارير" المهنى كان يتعرض لانتكاسات متكررة. وبسبب ذلك كان شعار الحياة اليومى هو عنوان فيلم (فاتن حمامة ) المعروف ( يوم مرّ.. يوم حلو ). فى إحدى هذه الأيام المرة الغائمة قررت تجربة أحد أفلام ( جيمس بوند ) القديمة كوسيلة لتغيير المود وكانت النتيجة رائعة لدرجة أن كل صديق يعانى من (انحراف المزاج )كنت أنصحه فورا بفيلم للعميل 007 ، ويفضل أن يكون بطولة ( شون كونرى ) أو ( روجر مور )، وبعدها (ح يخفّ )ويدعى لى !





كنت أتسكع فى وسط البلد عندما وجدت نفسى أمام سينما ( مترو ) الأسطورية قبل أن يتم تقسيمها الى أربع صالات صغيرة ،فجأة شاهدت أفيش الفيلم المعروض يتوسطه (روجر مور ) فى زى رائد فضاء وحوله (الجروب ) المعتاد من الحسناوات . سألت نفسى بفضول :"إيه اللى جاب مستر بوند لأفلام الفضاء؟ بل إننى اكتشفت أن الفيلم اسمه (moonraker )؟!لو سألتنى الآن ما قصة الفيلم ؟ وكيف وصل مستر بوند الى الفضاء ؟ لن تجد عندى إجابة لأن أفلام الجاسوس الأول بامتياز تأخذك بعيدا عن الدنيا وعن كل مشاكلك حيث تعيش فى عالم متسع فسيح بطول وعرض الكرة الأرضية ، ولكن هذا العالم يتبخر تقريبا بعض خروجك من السينما ، وقد ظلت مشكلتى مع أفلام ( جيمس بوند ) حتى الآن أننى يمكن أن أتذكر مشهد ما ولكنى لاأعرف فى أى فيلم بالتحديد من السلسلة .المهم أن الفيلم أخرجنى من لحظات الكرب التى يعانى منها أى عاطل عن العمل ، وربما كان تركيزى الشديد لمعرفة كيف أصبح بوند فى الفضاء سببا فى تقليل الإنشغال بالنفس وهمومها .. ربمالا أعرف !


ولكن المتاعب ليست بدرجة واحدة ، ووصفة مشاهدة الأفلام كعنصر مساعد لنسيان المشاكل لا تفلح فى كل الحالات . مرت عدة سنوات لأكتشف هذه الحقيقةوسط ظروف عصيبة هى أيام الزلزال المشئوم .كنت وقتها قد ألقيت عصا التسيار -كما يقولون - فى مجلة (أكتوبر)، وكُلّفت ضمن كل الصحفيين تقريبا بتغطية وقائع الأيام التالية بعد الهزة الأولى التى شاهدنا فيها برج القاهرة الراسخ وهو يتمايل يمينا ويسارا فشر (سامية جمال )فى أفلام (فريد الأطرش ).. وقد ساهمتُ فى التغطية بالذهاب الى المستشفيات الكبرى التى تضم عشرات المصابين ( القصر العينى القديم-أم المصريين- المنيرة العام-أحمد ماهر ) ،ثم استكملت التغطية فوق أنقاض عمارة مصر الجديدة التى جعلها الزلزال كومة تراب ، وكنت أتنقل معظم اليوم بين الأنقاض ومستشفى (هليوبوليس ) الذى كانت تنقل إليه الجثث إن وجدت . ما اطولش عليك لتنام منى ..المهم أننى أحسست ببوادرإكتئاب من هول ما سمعت ورأيت ، فاقترح على صحفى كبير ساخر أن أذهب فى حفلة المساء الى سينما كريم ( وكانت ماتزال محافظة على رونقها ومكانتها ) لمشاهدة فيلم يضحك الحجر اسمه (hot shots 2 ) أو(طلقات ساخنة - الجزء الثانى ). لم أترددفى تنفيذ النصيحة ، ولكن -على عكس ما حدث مع فيلم بوند _ لم أستطع التركيز مع الفيلم الأقرب الى اسكتشات المحاكاة الساخرة . لم أضحك مرة وأحدة رغم أن البعض كانوايضحكون أحيانا، كان هناك جو كابوسي يخيم على المكان والناس ، بل إنه فى منتصف الفيلم تقريبا اهتزت القاعة بسبب أحد (التوابع )، وانطلق الأطفال فى الصفوف الأولى وسط صيحات الفزع. الغريب أننى أبتسمت لأول وآخر مرة عندما خطر لى أننى يمكن أن أموت فى سينما كريم ، وأتحول الى أحد ضحايا (توابع) الزلزال وليس ضحايا الزلزال نفسه .رأيت على شاشة الخيال أن جنازتى ستخرج من السينما وهى نهاية تليق بأحد عشاقها المخلصين . ألا يوصى نجوم المسرح وعشاقه بأن تخرج جنائزهم من المسرح القومى؟!


انتهى الفيلم ، وخرجت من المكان محزونا كما دخلته. أعتقد أن الفيلم لم يكن رائعا ولكنه أيضا -فيما أظن - لم يكن بشعا . كان مجرد نقطة ماء لا يمكنها أن تغسل جبالا من الأحزان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق